سورة يس - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


{يس} و{ن} قرأ بإخفاء النون فيهما: ابن عامر والكسائي وأبو بكر. قالون: يخفي النون من {يس} ويظهر من {ن}، والباقون يظهرون فيهما.
واختلفوا في تأويل {يس} حسب اختلافهم في حروف التهجي، قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو قسم، ويروى عنه أن معناه: يا إنسان بلغة طيء، يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهو قول الحسن، وسعيد بن جبير، وجماعة.
وقال أبو العالية: يا رجل. وقال أبو بكر الوراق: يا سيد البشر.
{وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}، أقسم بالقرآن أن محمدًا صلى الله عليه وسلم من المرسلين، وهو رد على الكفار حيث قالوا: {لست مرسلا} [الرعد- 43]. {عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وهو خبر بعد خبر، أي: أنه من المرسلين وأنه على صراط مستقيم. وقيل: معناه إنك لمن المرسلين الذين هم على صراط مستقيم.


{تَنزيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}، قرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص: {تنزيل} بنصب اللام كأنه قال: نزل تنزيلا وقرأ الآخرون بالرفع، أي: هو تنزيل العزيز الرحيم. {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ}، قيل: {ما} للنفي أي: لم ينذر آباؤهم، لأن قريشا لم يأتهم نبي قبل محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: {ما} بمعنى الذي، أي: لتنذر قومًا بالذي أنذر آباؤهم، {فَهُمْ غَافِلُونَ} عن الإيمان والرشد. {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ}، وجب العذاب {عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}، هذا كقوله: {ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين} [الزمر- 71]. {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا}، نزلت في أبي جهل وصاحبيه المخزوميين، وذلك أن أبا جهل كان قد حلف لئن رأى محمدًا يصلي ليرضخن رأسه، فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه، فلما رفعه أثبتت يده إلى عنقه ولزق الحجر بيده، فلما عاد إلى أصحابه فأخبرهم بما رأى سقط الحجر، فقال رجل من بني مخزوم: أنا أقتله بهذا الحجر، فأتاه وهو يصلي ليرميه بالحجر، فأعمى الله تعالى بصره، فجعل يسمع صوته ولا يراه، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقالوا له: ما صنعت؟ فقال: ما رأيته، ولقد سمعت صوته وحال بيني وبينه شيء كهيئة الفحل يخطر بذنبه، لو دنوت منه لأكلني، فأنزل الله تعالى: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا} قال أهل المعاني: هذا على طريق المثل، ولم يكن هناك غل، أراد: منعناهم عن الإيمان بموانع، فجعل الأغلال مثلا لذلك. قال الفراء: معناه إنا حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله كقوله تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} [الإسراء- 29] معناه: لا تمسكها عن النفقة.
{فَهِيَ إِلَى الأذْقَانِ}، {هي} كناية عن الأيدي- وإن لم يجر لها ذكر- لأن الغل يجمع اليد إلى العنق، معناه: إنا جعلنا في أيديهم وأعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان، {فَهُمْ مُقْمَحُونَ} والمقمح: الذي رفع رأسه وغض بصره، يقال: بعير قامح إذا روى من الماء، فأقمح إذا رفع رأسه وغض بصره. وقال الأزهري: أراد أن أيديهم لما غلت إلى أعناقهم رفعت الأغلال أذقانهم ورؤسهم، فهم مرفوعو الرؤوس برفع الأغلال إياها.


{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا}، قرأ حمزة والكسائي وحفص: {سدا} بفتح السين، وقرأ الآخرون بضمها، {فَأَغْشَيْنَاهُم} فأعميناهم، من التغشية وهي التغطية، {فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} سبيل الهدى.
{وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ}، يعني: إنما ينفع إنذارك من اتبع الذكر، يعني القرآن، فعمل بما فيه، {وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} حسن وهو الجنة. {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى}، عند البعث، {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} من الأعمال من خير وشر، {وَآثَارَهُم} أي: ما سنوا من سنة حسنة أو سيئة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة يعمل بها من بعده كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا».
وقال قوم: قوله: {ونكتب ما قدموا وآثارهم} أي: خطاهم إلى المسجد. روي عن أبي سعيد الخدري قال: شكت بنو سلمة بعد منازلهم من المسجد فأنزل الله تعالى: {ونكتب ما قدموا وآثارهم}. أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، حدثنا أبو سعيد محمد بن عيسى الصيرفي، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا محمد بن هشام بن ملاس النميري، حدثنا مروان الفزاري، حدثنا حميد، عن أنس رضي الله عنه قال: «أرادت بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة، فقال: يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم؟ فأقاموا». وأخبرنا عبد الواحد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة عن يزيد بن عبد الله عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشًى والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرًا من الذي يصلي ثم ينام». قوله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ} حفظناه وعددناه وبيناه، {فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} وهو اللوح المحفوظ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8